يبدوا أن المرحلة الحالية من الصراع داخل الشرق الأوسط، يمكن وصفه بمرحلة انتهاء حروب الوكالة، أو معارك المسرح المفتوح، والذي ليس له كواليس، يتم تحريك قواعد اللعبة من خلفها، وما كشفته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يؤكد ذلك، حيث قالت في تقرير لها، أن القائد الحقيقي للحرب الحالية هي القوات المسلحة الأمريكية، وأنه لا يمكن لأى قائد أن يتخذ قرارا محوريا دون أخذ الضوء الأخضر من ممثلي واشنطن في تلك أبيب، ولأول مرة منذ حرب 6 أكتوبر 1973، يحضر مسئول أمريكي رفيع المستوى لمجلس الحرب الإسرائيلي.
وذكرت الصحيفة، أنه لأول مرة تخوض إسرائيل حربا وتكون مصالحها في المرحلة الثانية، وليست الأولى التي تحرك جيشها، حيث أن الولايات المتحدة تتولى قيادة الحرب وفقاً لمصالحها في المنطقة، ومهما كانت درجة التوافق بين البلدين، إلا أن هناك اختلاف في قوائم الأولويات، وهو ما يظهر العديد من الملفات، ويفسر الكثير من التحركات العسكرية على أرض المعركة، وتوضح أحد أسباب تأخر الحرب البرية التي مازالت الحكومة الإسرائيلية تبشر بها، رغم مرور 10 أيام على أكبر ضربة في تاريخ إسرائيل، بهجوم طوفان الأقصى التي قامت به حماس، وهزت به الكيان الإسرائيلي.
بليكن وحاملة الطائرات وتفاصيل اجتماع مجلس الحرب
وتشير يديعوت أحرونوت، إلى أن هناك رابط بين وصول حاملة الطائرات ومشاركة بلينكن وتصريحات بايدن وزيارته المزمعة، فبالتأكيد لا يمنع أن هناك هداف بإظهار مدى الدعم الأميركي الوثيق، ولكن هذه المساعدة تأتي بثمن، فوصول الرئيس قد يحدد حدود الحملة في إطار حرب واسعة ضد المحور الإيراني، وفي هذه الأثناء، يطالب ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي بدخول القطاع، ولكنها تنتظر الإذن الأمريكي لذلك.
والحرب في غزة، مع اليوم الحادي عشر لها، وبعد أن تسلحت النخبة السياسية المتمثلة بحكومة الحرب، ببني غانتس وبيدي آيزنكوت، استقبلت أمس الاثنين مشاركًا آخر وغير عادي إلى حد ما، إنه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي جاء إلى إسرائيل كجزء من الدعم المطلق من الولايات المتحدة لإسرائيل في الحملة ضد حماس، وفي المعجم ، لدى جيش الدفاع الإسرائيلي مصطلح أكثر وضوحا إلى حد ما لمثل هذه الحالة، وهو "الموافقة على الخطط"، وهو أي المرحلة التي يراجع فيها المسؤول الكبير أساليب العمل، بحسب الصحيفة العبرية، وتعطي تركيزه وتعليماته الخاصة، وبعد ذلك فقط يمكن للمرء المضي قدمًا، وبالمناسبة، حتى قبل خمسين عاما، خلال حرب يوم الغفران، كان هنري كيسنجر حاضرا في المناقشة في حكومة غولدا مئير. ولعل هذا يظهر أيضًا الطبيعة غير العادية لحرب أكتوبر 2023.
على نتياهو اتباع التعليمات.. أمريكا تقود الحرب بنفسها
وبشكل واضح، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن أمريكا هي من تدير الحرب بنفسها في الشرق الأوسط بتلك المرة، وتأتي مشاركة بلينكن على هذا المستوى لتعلمنا شيئين، أولا، من المستحيل أن تكون أقوى قوة في العالم تابعها لحليفتها في الشرق الأوسط، وكما يمكن أن يفهم من تصريحات الرئيس جو بايدن، وإرسال أول حاملة طائرات، مع نية إرسال حاملة طائرات ثانية، وامتداد القطار الجوي من القنابل الذكية وغيرها من التدابير، وكذلك الاستعدادات لزيارة محتملة للرئيس في وقت لاحق من هذا الأسبوع، بعد أن "يطهو" بلينكن صفقة أولية مقدما، وجميع ما سبق يكشف حقيقية كيفية إدارة المعركة الحالية.
ولكن الصحيفة العبرية، تعود لتؤكد أهمية ذلك بالنسبة لتل أبيب، وقالت إنه لا شك أن هذه الخطوات تضيف إلى ردع إيران وحزب الله عن فتح جبهة أخرى في الشمال، لكنها تقول أن هناك ثمن لهذه المساعدة، وقد حان الوقت للحديث عنها بشكل أكثر وضوحاً ومن دون عاطفية، فالأميركيون يأخذون الأمر على محمل الجد، وقيادة الحرب بما يتفق مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
أمريكا أولا ثم إسرائيل .. "الأسرى - البعد الإنساني القانوني"
وتتحدث أحد أكبر المؤسسات الصحفية بتل أبيب، أن هناك عدة أمثلة توضح أن الحرب تدار باستراتيجية أمريكا أولا ثم إسرائيل، وعلى سبيل المثال، أن بايدن غير مهتم بالتحرك النشط لإزالة تهديد حزب الله للمستوطنات الشمالية، وهو بالتأكيد مهتم بالحذر قدر الإمكان تجاه كارثة إنسانية في غزة وانتهاكات القانون الدولي، وهي أمور ربما كانت تل أبيب لن تقف عليها بعد الكارثة التي تعرضت لها في 7 أكتوبر.
كما أن واشنطن تظهر ثباتاً حازماً على سلامة المختطفين والمختطفين الذين يحملون الجنسية الأميركية، إلى حد إمكانية التوصل إلى صفقة منفصلة (عبر قطر مثلاً) إلى جانب مطالبة إسرائيل بالقيام بمبادرات إنسانية دون تعويض، ففي النهاية، البيت الأبيض يعتني بالمواطنين الأمريكيين أولا ومن ثم بجنود جيش الدفاع الإسرائيلي.
بايدن بالمنطقة يفتح أبواب متعارضة من دبلوماسية إسرائيل
ويبدوا أن التأثير لا يقف على المعارك العسكرية فقط، حيث تشير الصحيفة العبرية، إلى أن هناك تأثيرا كبيرا على التحرك الدبلوماسي مع قدوم بايدن للمنطقة، فمن الواضح أن الاعتماد على الولايات المتحدة سيزداد بالبعد السياسي إذا هبط الرئيس بايدن بالفعل في إسرائيل، مما قد يؤدي إلى قمة إقليمية وسيرسم على أي حال حدود الحملة كجزء من حرب واسعة ضد المحور الإيراني، والتي تشمل بالطبع روسيا.
وفي هذا السياق، من المثير للاهتمام كيف ستتطور الأحداث بعد محادثة بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي يحرص حتى الآن على إظهار برود متجمد تجاه إسرائيل وسخرية لا تطاق من همجية حماس بعد ما تحقيق في هجوم 7 أكتوبر يكشف عن خطط بعيدة المدى، بما في ذلك الوصول إلى قواعد جيش الدفاع الإسرائيلي الواقعة خارج خط التماس.
الجيش وروحه المعنوية بانتظار قرار واشنطن .. البري معطل
ولكن في هذه الأثناء، وبالتحديد في القيادة الجنوبية، هناك بالفعل ضباط يطأون أقدامهم مطالبين بدخول قطاع غزة، وكذلك القيادة مستعدة وجاهزة، فما السبب في التأخر، ولكن الضغط التشغيلي ليس زرًا يمكن تركه طوال الوقت، فهو أصبح بيد واشنطن، ولكن لن يمكنك أن تحافظ على الروح المعنوية للمصفوفة الاحتياطية إلى الأبد، فرغم أنهم راضون على حرص الجنرالات والجنرالات بالقيام بالحرب البرية، ولكن بينما يستمر العد التنازلي للمناورة البرية، تواصل حماس إطلاق النار على العديد من البلدات، وتحاول حرق التهديد الصاروخي في الوعي، بإطلاق النار باتجاه القدس أثناء افتتاح جلسة الكنيست وإطلاق النار باتجاه تل أبيب أثناء جلوس بلينكن مع صناع القرار في كيريا، ومعها تحترق الروح المعنوية للجنود.
وبالتوازي، يشن سلاح الجو هجومًا قويًا ليل الأحد وحتى الاثنين بهدف مواصلة دفع سكان غزة جنوبًا، وفي القطاع الشمالي المتوتر، يطلق حزب الله النار على مواقع الجيش الإسرائيلي على الحدود ويلحق أضراراً بالتدابير على السياج، ويبدو أن حسن نصر الله ينتظر أيضاً دخول الجيش البري إلى غزة قبل أن يقرر ذلك ما إذا كان سيتم تصعيد التصعيد، وأصبح مصير إسرائيل في خضم تلك التفاصيل على الأرض ليس بيديها.