ما حكم من صام وهو جنابة حتى المغرب؟ تأخير غسل الجنابة بحيث يترتب عليه تأخير الصلاة عن وقتها حرام شرعًا، وينبغي على المسلم الإسراع بالغسل من الجنابة حتى لا يؤدي عدم اغتساله إلى نفور ملائكة الرحمة والبركة من المكان الذي يكون فيه.
قالت دار الإفتاء، إنه إذا أصبح الإنسان صائمًا محافظًا على أركان الصوم وشروطه من الإمساك عن المفطرات والنية وغير ذلك، وكان صومه خاليًا عمَّا يفسده، فإن صومه يكون صحيحًا، سواء أصبح جُنُبًا أو لا؛ لأن الطهارة من الحدث الأكبر ليست من شروط صحة الصيام، ولا من أركانه، والأولى في حقه إن أصابته الجنابة أن يتم صومه وهو على طهارة؛ حتى يتمكن من المحافظة على الصلاة، والدخول إلى المسجد، ويتمكن من مس المصحف، والقراءة منه، ومن ثَمَّ التمكن من فعل أكبر قدر من النوافل والمستحبات.
صام الجنب حتى المغرب
نبهت دار الإفتاء، على أن صيام مَن أخَّر الغُسل من الجنابة إلى ما بعد المغرب صحيحٌ؛ سواء كانت هذه الجنابة بسبب الجماع قبل الفجر أو الاحتلام أثناء النهار أو قبله، مع العلم أن هذا التأخير خلاف الأَوْلى؛ لأنه يُستحب له التعجيل بالغُسل عمومًا، ويتعيَّن إذا خيف تأخير الصلاة عن وقتها بسبب التأخر في الغُسل؛ لما يترتب على ذلك من حصول الإثم خصوصًا، مع العلم أن الْـمُتطهِّر من الجنابة لو وصل إلى حلقه شيء من الماء بلا قصدٍ؛ فإن صومه صحيحٌ ولا شيء عليه، وهو أمين على نفسه في ذلك.
وأفاد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، بأن الصوم هو الإمساكُ عن الْـمُفطرات في الوقت المخصوص له، ولا يتحقَّق هذا الإمساك بدخول شيءٍ ذِي جِرْمٍ من المنافذ المفتوحة إلى الجوف، وإلَّا كان ركن الصيام منعدمًا؛ ولا سيَّما أنَّ أداء العبادة بدون ركنها لا يُتصوَّر؛ لقوله تعالى: «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» [البقرة: 187]، ولِمَا رواه الإمام البخاري في "صحيحه" موقوفًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ»، ووصله ابن أبي شَيْبَة في "مصنفه" عن وكيع عن الأعمش عن أبي ظَبْيَان عن ابن عباس رضي الله عنهما في الحجامة للصائم قال: «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ، وَالْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ»، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العَسْقَلاني في "فتح الباري".
وأوضح المفتي في إجابته عن سؤال: ما حكم تأخير الصائم غسل الجنابة إلى ما بعد المغرب خشية دخول الماء إلى حلقه؟»، أن حقيقة الصيام بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أمر متفق عليه بين الفقهاء؛ يُنظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (2/ 90، ط. دار الكتب)، و"الشرح الصغير" للإمام الدردير المالكي (1/ 698-699، ط. دار المعارف)، و"تحفة المحتاج" لابن حجر الهَيْتَمِي الشافعي (3/ 413، ط. المكتبة التجارية الكبرى)، و"المغني" لابن قُدَامة الحنبلي (3/ 105، ط. مكتبة القاهرة).
وتابع: والفقهاء متفقون على أنَّ الاغتسال من الجنابة واجبٌ، وأنَّه لا يجوز للْجُنب أن يؤدي الصلاة أو أن يمس المصحف، أو أن يدخل المسجد إلا بعد أن يغتسل؛ لقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6]، وقد نقل الإجماع على وجوب الغُسل من الجنابة غير واحد من العلماء، منهم العلَّامة ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 97، ط. الفاروق الحديثة).
وتابع: ومع كون الغُسل من الجنابة واجبًا إلا أنَّ تَرْكَه أو تأخيره مدةً لا يُؤثر على صحة الصيام؛ فقد اتفق الفقهاء على أنَّ الطهارة من الجنابة ليست شرطًا من شروط صحة الصيام التي لا يصح الصيام إلا بها، وأنَّ من أصبح جُنُبًا فإن صومه صحيح.
وأكمل: أما عن تأخير غُسل الجنابة لما بعد المغرب؛ فمع كون التأخير من دون عذرٍ قد يلحق بسببه صاحب الجنابة إثمُ ترك الصلاة أو ضياع وقتها، إلا أنه لا يؤثر على صحة الصوم كما قررنا، وقال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (3/ 219، ط. دار إحياء التراث العربي): [غُسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا بإجماع المسلمين] .
وأردف: فيظهر من ذلك أنه لا يجب غُسل الجنابة على الفور، وقد استثنى الفقهاء من ذلك ما إذا كان الاغتسال من الجنابة بغرض إدراك وقت الصلاة، فإنه يكون واجبًا حينئذٍ.. وقال العلامة الشَّبْرَامَلِّسِي الشافعي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (1/ 210، ط. دار الفكر): [قوله: (ولا يجب فورًا أصالة) خرج به ما لو ضاق وقت الصلاة عقب الجنابة أو انقطاع الحيض، فيجب فيه الفور؛ لا لذاته، بل لإيقاع الصلاة في وقتها].
وشدد على أن لأَوْلى بالجُنب المسارعة إلى تعجيل الغسل من الجنابة وعدم تأخيره؛ لما يُخشى من أثر تأخيره على النفس من كثرة الوساوس ونحوها؛ وحتى يقوم الصائم بالتقرب إلى الله خلال زمن الصيام بكل القُرَب وهو على أكمل حالٍ؛ من ذكر، وقراءة قرآن، ونحوها.. قال العلَّامة مَيَّارة المالكي في "الدُّر الثمين" (ص: 166، ط. دار الحديث): [وتأخير غُسل الجنابة يثير الوسواس، ويُمكِّن الخوف من النفس، ويُقلل البركة من الحركات].
واستطرد: وقال العلَّامة منصور البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 372، ط. دار الكتب العلمية): [(فلو أخَّره) أي: الغُسل (واغتسل بعده) أي: بعد طلوع الفجر الثاني (صح صومه) لما تقدم من حديث عائشة وأم سلمة... (وكذا إن أخَّره) أي: الغُسل (يومًا) فأكثر (لكن يأثم بترك الصلاة) أي: تأخيرها عن وقتها] اهـ، ولذا فإنه ينبغي على الإنسان أن يسارع بالتطهر من الجنابة، حتى ولو وصل إلى حلقه شيء من الماء من دون قصدٍ -كما هو مبرر صاحب السؤال في عدم الغسل- لأن ذلك لا يؤثر على صومه، كما نص عليه بعض الفقهاء، وهو أمين على نفسه في ذلك.. قال الإمام ابن قُدَامة في "المغني" (3/ 123، ط. مكتبة القاهرة): [وإن تمضمض، أو استنشق في الطهارة، فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف، فلا شيء عليه].
واختتم: وبناءً عليه: فإن صيام مَن أخَّر الغُسل من الجنابة إلى ما بعد المغرب صحيحٌ؛ سواء كانت هذه الجنابة بسبب الجماع قبل الفجر أو الاحتلام أثناء النهار أو قبله، مع العلم أن هذا التأخير خلاف الأَوْلى؛ لأنه يُستحب له التعجيل بالغُسل عمومًا، ويتعيَّن إذا خيف تأخير الصلاة عن وقتها بسبب التأخر في الغُسل؛ لما يترتب على ذلك من حصول الإثم خصوصًا، مع العلم أن الْـمُتطهِّر من الجنابة لو وصل إلى حلقه شيء من الماء بلا قصدٍ؛ فإن صومه صحيحٌ ولا شيء عليه، وهو أمين على نفسه في ذلك.
حكم صيام من أصبح وهو جنب في نهار رمضان
نوهت دار الإفتاء، بأن من أصبح وهو جنب في نهار رمضان فعليه أن يغتسل وصيامه صحيح.
وألمحت الإفتاء في إجابتها عن سؤال: «حكم صيام من أصبح وهو جنب في نهار رمضان؟»، إلى أن من أصبح جنبًا فى رمضان وهو صائم ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، فإن صومه صحيح، وقد دلت على ذلك أحاديث كثيرة، فعن عائشة: «أن رجلًا قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي». رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وعن عائشة وأم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كان يصبح جنبًا من جماع -غير احتلام-ـ ثم يصوم في رمضان» متفق عليه.