تساؤلات عديدة تشغل بال الكثيرين حول توقعات شتاء 2024 في ظل التأثيرات السلبية التي خلفتها ظاهرة النينو والتي ضربت عدد كبير من الدول في الأسابيع القليلة الماضية ، و ظاهرة النينو، هي ارتفاع درجة حرارة سطح البحر، وتحدث كل عامين إلى 7 أعوام سنوات، ويتم الإعلان عنها، عندما ترتفع درجات حرارة البحر في شرق المحيط الهادئ الاستوائي نصف درجة مئوية فوق المتوسط طويل الأجل.
تأثير الظاهرة يكون محسوسا بشكل أكبر خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي وأوائل الربيع، مما يجلب المزيد من الأمطار والعواصف عبر جنوب الولايات المتحدة وجنوب شرق أمريكا الجنوبية والقرن الأفريقي وشرق آسيا، مما سيؤثر على مليارات الأشخاص حول العالم.
النينو و شتاء 2024
تشير آخر التوقعات بخصوص ظاهرة النينو التي بدأت تتطور في المنطقة 3.4 من المحيط الهادئ الى استمرار تطور هذا الطور خلال موسم الشتاء المقبل 2024 وبإجماع من مختلف النماذج المناخية المختصة في مراقبة المحيطات ، وذلك حسب المركز العربي المناخ .
وأضاف المركز : في الغالب يتزامن تأثير هذه الظاهرة مع تأثيرات محدودة للمرتفع السيبيري البارد على منطقتنا العربية ، على عكس ظاهرة اللانينا التي يتزامن معها تأثير قوي للسيبيري وسيطرته على الشرق الأوسط لفترات طويلة مما يؤدي الى زيادة ملحوظة في حالات الانجماد الجافة .
واستكمل المركز: كما يزداد تأثير التيارات المدارية الرطبة في المنطقة مع سيطرة ظاهرة النينو بالاضافة الى زيادة ملحوظة في اعداد المنخفضات الجوية العميقة جداً ، بالاضافة الى قلة حدوث انقطاعات طويلة للحالات المطرية اثناء موسم الشتاء ، فنشاهد تواصل في الحالات الجوية الماطرة والمثلجة .
وأكد المركز العربي للمناخ أن أشهر مواسم النينو كان 1992 الذي كان مليء بالعواصف الثلجية التي اثرت على بلاد الشام وما حولها، اما بالنسبة لمعدلات الامطار فليس هنالك علاقة مباشرة لهذه الظاهرة مع معدلات الامطار في المنطقة العربية .
وقال تقرير صادر عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي NOAA : "من المتوقع أن تستمر ظاهرة النينيو خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي.. تتنبأ نماذجنا المناخية العالمية بأن ظروف المحيط الهادئ الأكثر دفئًا من المتوسط لن تستمر خلال فصل الشتاء فحسب ، بل ستستمر في الازدياد".
وأضاف التقرير:" المزيد من الأمطار والسحب فوق وسط المحيط الهادي ، فضلاً عن الضغط الضعيف في الشرق وانخفاض نشاط الرياح التجارية في الغرب ، تشير إلى أن النظام يعمل وأن هذه الظروف ستستمر خلال الشتاء".
وقال آدم سكيف، رئيس قسم التنبؤ بعيد المدى في مكتب الأرصاد الجوية بالمملكة المتحدة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لشبكة CNBC :"إذا لم تحدث بنهاية العام الجاري، أود القول إن فرص حدوثها تتراوح ما بين 60% إلى 70 % في العام المقبل..إذا حصلنا على حدث (نينو كبير) فستزيد درجات الحرارة بشكل كبير، وقد يكون 2024، هو العام الأول الذي يشهد تجاوز عتبة فوق 1.5 درجة".
ويشار إلى أنه قد تجاوزت درجات حرارة سطح البحر في شرق وسط المحيط الهادئ الاستوائي المتوسط طويل الأجل لعام 1991 إلى 2020 بمقدار 1.8 درجة فهرنهايت (1 درجة مئوية) طوال شهر يوليو2023 .
وكانت درجات الحرارة من مايو إلى يوليو - وهو متوسط لمدة ثلاثة أشهر يسمى مؤشر Oceanic Niño، أعلى من المعتاد بمقدار 1.4 فهرنهايت (0.8 درجة مئوية) وتمثل ثاني مؤشر نينيو المحيطي الأكثر دفئًا من المتوسط على التوالي.
كما كشف تقرير أمريكي :“تميل تأثيرات ظاهرة النينيو إلى الذروة خلال شهر ديسمبر، لكن تأثيرها الكامل يستغرق وقتًا في العادة للانتشار في جميع أنحاء العالم، هذا التأخر هو سبب اعتقاد المتنبئين بأن عام 2024 قد يكون العام الأول الذي تتجاوز فيه البشرية عتبة المناخ الرئيسية البالغة 1.5 درجة مئوية، إذ كان متوسط درجات الحرارة العالمية في عام 2022 أكثر دفئًا بمقدار 1.1 درجة مئوية مقارنة بأواخر القرن التاسع عشر”.
أما عن تأثير الظاهرة على الشتاء 2024 في مصر؛
كانت كشفت الدكتورة منار غانم، عضو المركز الإعلامي، للهيئة العامة للأرصاد الجوية، حجم تأثير ظاهرة النينيو المناخية على مصر، مؤكدة استمرارها للعام المقبل 2024.
وأضافت غان غانم في تصريحات صحفية : يصاحب ظاهرة النينيو تغييرات في منظومة التوزيعات الضغطية والأنماط المناخية العالمية، ويحدث زيادة في معدل الأمطار على أمريكا، وجفاف في مناطق أخرى مثل إندونيسيا.
وعن حجم تأثيرها على مصر، قالت: نلاحظ تأثير ظاهرة النينيو في مصر، من خلال التغيير في بعض الأنماط المعتادة، كارتفاعات طفيفة في درجات الحرارة أعلى من المعدلات الطبيعية، وزيادة في كميات الأمطار على جنوب البلاد سلاسل جبال البحر الأحمر، نتيجة ارتفاع الحزام المداري، مع زيادة في تشكل وتكون السيول في فصل الخريف، و تأثيرها أكبر على الدول القريبة من المحيط الهادي.
خسائر بــ84 تريليون دولار
ذكر بحث بجامعة دارتموث أنه من المتوقع أن تتسبب أحداث النينيو في خسائر اقتصادية بنحو 84 تريليون دولار في القرن الحادي والعشرين.
ومن التأثيرات الطبيعية لهذه الظاهرة فقد دفع انخفاض مستويات المياه الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى إلى تقليل عدد السفن التي تمر عبر قناة بنما البالغة الأهمية، وقالت هيئة قناة بنما التي تدير الممر المائي، إن شدة الجفاف هذا العام "ليس لها سابقة تاريخية".
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة الجارديان فقد قالت وكالة الجيوفيزياء الإندونيسية إن اثنين من الأنهار الجليدية الاستوائية القليلة في العالم في إندونيسيا يذوبان، وقد يختفي الجليد فيهما بحلول عام 2026 أو قبل ذلك، حيث يؤدي نمط الطقس النينيو إلى إطالة موسم الجفاف، وتتوقع إندونيسيا، التي تضم ثلث الغابات المطيرة في العالم بعد البرازيل والكونغو، أن يستمر موسم الجفاف حتى أكتوبر، حيث تزيد ظاهرة النينيو من خطر حرائق الغابات وتهدد إمدادات المياه النظيفة، كما أشار أحد باحثي المناخ التابعين لها إنها قد تعرض أيضًا الأنهار الجليدية الاستوائية التي يبلغ عمرها 12 ألف عام في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا للخطر.
وقال دونالدي بيرمانا في تصريحات لصحيفة الجارديان: "قد تختفي الأنهار الجليدية قبل عام 2026، أو حتى بشكل أسرع، وقد تؤدي ظاهرة النينيو إلى تسريع عملية الذوبان"
وقال كريستوفر كالاهان، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة دارتموث والمؤلف الرئيسي في دراسة في مجلة (Science):"هناك عواقب سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي في حالة وجود طقس قاسٍ"، وعزت الدراسة خسائر بنحو 5.7 تريليون دولار من الدخل العالمي إلى ظاهرة النينو بين عامي 1997 و1999، وخسائر بنحو 4.1 تريليون دولار إلى الظاهرة نفسها بين عامي 1982 و1983.
وأضاف كالاهان :"يمكن أن يؤثر ذلك على أسعار الأطعمة، إذ تُتداول العقود الآجلة للسكر والكاكاو بأعلى مستوياتها منذ عدة سنوات بناء على تنبؤات لنقص المعروض، في حين يجري تداول عقود قهوة روبوستا الآجلة عند أعلى مستوياتها على الإطلاق".
وقال سيميون سيغل المحلل في “بي ام أو كابيتال ماركتس”:" الآثار تتجاوز المزارع، فالتقلبات غير المتوقعة في الطقس يمكن أن تؤثر سلباً على قطاع التجزئة.. يتعين على تجار التجزئة أو العلامات التجارية ألّا يتوقعوا ما يريده المستهلكون فحسب، بل يتعين عليهم كذلك التنبؤ بما ستلقي به الطبيعة عليهم".
كما أن هناك دراسة قد أجريت عام 2021 في مجلة أتموسفير، خلص البحث إلى أن هذه الظاهرة أدت إلى «انخفاض كبير» في عدد الزيارات السياحية، لذا قد يكون تكرر الظاهرة مبعث قلق لشركات الطيران، التي تجد صعوبة بالفعل في التعامل مع الإلغاءات والاضطرابات المرتبطة بالطقس هذا الصيف، ووفقاً لإدارة الطيران الفيدرالية الأميركية، فإن الطقس العاصف هو أكبر سبب لتأخير الرحلات الجوية إلى حد بعيد.