بعد مرور ما يقرب من عامين على الحرب الروسية في أوكرانيا، يقول مراسل مجلة “تايم سايمون شوستر” إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لا يمكن التعرف عليه تقريبًا، وذلك بعد التغير الكبير الذي حل بشخصيته لما مر به من مواقف، وكان التحول جذريا، حتى أنك لا يمكن أن تجد لديه ما كان لدى الممثل الكوميدي السعيد والمتفائل الذي التقى به شاستر لأول مرة في عام 2019.
وشوستر، وهو من أب روسي وأمه أوكرانية، يكتب تقارير عن المنطقة منذ 17 عامًا، وقضى أشهرًا مع فريق زيلينسكي في كييف مع ظهور الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
وفي كتابه الجديد The Showman" Inside the"، يتحدث عن تفاصيل الغزو الذي هز العالم وحول رئيس أوكرانيا إلى الزعيم فولوديمير زيلينسكي.
ويقول شوستر في كتابه عن نجم المسرحية الهزلية السابق: "هناك فقط صلابة وظلام معين عنه الآن لم يكن موجودًا من قبل، إنه لا يزال ملتزماً للغاية بهذه الحرب، وبالفوز في هذه الحرب، وهو ذو تفكير واحد للغاية، ويكاد يكون مهووساً في السعي لتحقيق هذا الهدف".
لم يعتقد بإمكانية قصف العاصمة.. وزوجته فوجئت بالحرب
وبحسب التقرير الذي رصد تفاصيل الكتاب، ونشرته صحيفة NPR الأمريكية، فإنه على الرغم من أن الولايات المتحدة حذرت من أن الغزو الروسي كان وشيكًا، إلا أن شوستر كتب أن زيلينسكي لم يعتقد أنه سيتم الهجوم على العاصمة.
وفي الواقع، يقول شوستر، إن السيدة الأولى الأوكرانية أولينا زيلينسكا "صُدمت تمامًا" من الغزو، ولم تكن حتى تحزم حقيبة سفر، ومنذ البداية، يقول شوستر إن زيلينسكي اعتمد على خلفيته كفنان للمساعدة في إيصال المحنة الأوكرانية إلى جمهور أوسع - حتى مع قلقه من تلاشي اهتمام العالم في النهاية.
"في كثير من الأحيان كانت قراراته التكتيكية العسكرية تسترشد بالرغبة في تحقيق هذه الانتصارات التوضيحية، وهو أمر يمكن أن يجذب انتباه العالم حقًا، سواء كان ذلك قصف الجسر الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، أو معارك مختلفة، والتي ربما لم تكن الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية"، ويقول شوستر: "لقد كانت مهمة، لكنها كانت دراماتيكية".
هكذا يفكر الرئيس الأوكراني في مستقبل الحرب
وعن طريقة تفكير الرئيس الأوكراني في مستقبل الحرب، يقول شوستر، وهو يتطلع إلى المستقبل، إن زيلينسكي وفريقه منفتحون على التفاوض من أجل السلام مع روسيا، لكنهم في ذات الوقت يتعاملون مع الواقع، واحتمالات تعنت الروس، أو رفضهم لفكرة التفاوض من الأساس، ولذلك يطورون أيضًا طرقًا لاستدامة الحرب - حتى لو انخفض الدعم الغربي.
ويقول شوستر: "الرئيس زيلينسكي وفريقه لديهم رؤية واضحة حول أين سيتجه هذا الأمر بعد ذلك"، وأضاف: "إنهم يعملون بنشاط على تطوير سبل لمواصلة القتال، وعدم دفعهم إلى استسلام أو مفاوضات لا يريدون المشاركة فيها، ومواصلة القتال على مواردهم الخاصة، وأسلحتهم الخاصة".
كيف غيرت بوتشا بشخصية زيلينسكي مع مشاهد الدمار
وربما من الأشياء التي غيرت كثيرا في شخصية الرئيس الأوكراني، وتركت بداخله وشخصيته الحزن الشديد، هي المعاناة الشديدة بحق شعبه الأوكراني.
وبحسب مؤلف الكتاب، فعلى المستوى الشخصي، كان الأمر مدمرًا للغاية بالنسبة له، ويعتقد الكاتب أنه تفاجأ بذلك في شخصيته إلى حد ما؛ فهو حقًا يأخذ معاناة المدنيين بالقرب من القلب، ولا ينظر إليهم على أنهم كتلة مجردة، تضحي من أجل الوطن، وهو يشعر حقًا بألم الضحايا الأفراد لهذه الحرب، لذا، في ذلك اليوم عندما ذهب إلى بوتشا ورأى الفظائع المرتكبة هناك، مئات المدنيين يُذبحون، وبعضهم يُعذبون، كان هذا أسوأ أنواع المشاهد التي يمكن أن تتخيلها في وقت الحرب، لقد تأثر بشدة بذلك عاطفيًا.
ووصفه لاحقًا بأنه أسوأ يوم في تلك السنة المأساوية، وقال إنها علمته أن الشيطان ليس بعيدًا، وليس من نسج خيالنا ولكنه موجود هنا على هذه الأرض، وقال إنه رأى عمل الشيطان هناك في بوتشا، وفي المرحلة التالية، عندما شعر بهذا الألم نوعًا ما، انتقل إلى المرحلة التالية من الحرب، وكان لا يزال لديه حرب ليخوضها، ودعا وسائل الإعلام لزيارة بوتشا، وبدأ بدعوة شركائه وحلفائه الدوليين، الأوروبيين والأمريكيين من جميع أنحاء العالم، وفي كل مرة قاموا بزيارة للرئيس زيلينسكي في كييف، كان يشجعهم على زيارة بوتشا، ليروا ذلك بأنفسهم، فقد كانت نظرته أنه طالما رأوا الفظائع بأنفسهم، فهذا من شأنه أن يشجعهم على الحفاظ على مستوى أعلى بكثير من الدعم عندما يعودون إلى ديارهم في عواصمهم بعد أن يروا عن قرب المقابر الجماعية والأدلة الحقيقية على جرائم الحرب الروسية.
لا ييأس من إمكانية إيجاد السلام
ومن الأمور التي كشفها الكاتب في كتابه عن الرئيس الأوكراني، هو نظرته المتفائلة دائما لإمكانية التوصل إلى سلام، فبشأن التنازلات المفاجئة التي كان زيلينسكي على استعداد لتقديمها في المفاوضات مع روسيا، فقد واصلوا المفاوضات حتى بعد الكشف عن الفظائع في بوتشا، وحتى بعد أن قال له العديد من مستشاري زيلينسكي: "لا يمكننا الاستمرار في هذه المفاوضات، ولا يمكننا التحدث مع هؤلاء الوحوش بعد ما فعلوه بنا"، وسيواصل زيلينسكي الإصرار على أنه لن يتخلى أن تلك الفكرة، فدائما يقول: "على الرغم من أن هذه حرب إبادة جماعية، فإننا بحاجة إلى مواصلة محاولة إيجاد السلام على طاولة المفاوضات".
وكما جاء على لسان الكاتب بتقرير الصحيفة الأمريكية، فقد كانت تلك النظرة هي السبب في تقديم سلسلة من التنازلات، وهي تنازلات خطيرة للغاية، أحدها، وأهمها، كانت فكرة الحياد الدائم، لذا فإن أوكرانيا ستوافق على التخلي عن طموحها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وكان هذا أحد الأعذار الرئيسية التي استخدمها فلاديمير بوتين لتبرير هذا الغزو المروع، حيث أراد منع الناتو من الاعتراف بأوكرانيا، ولا يعني ذلك أن الناتو كان لديه أي خطط لقبول أوكرانيا في أي وقت قريب، لكن هذا كان نوعًا من المخاطر المذعورة التي أشار إليها بوتين.
لذلك قال زيلينسكي: “حسنًا، إذا كان هذا هو ما تخشاه، فسنقدم التزامًا رسميًا بالبقاء على الحياد، حتى أنه وافق على أن أي مناورات عسكرية تشارك فيها قوات أجنبية على أراضي أوكرانيا لن تتم دون موافقة روسيا، وإذا رأت روسيا أن تلك التدريبات تنطوي على مخاطرة، لذلك كان على استعداد للذهاب إلى أبعد من ذلك في منح التنازلات في وقت مبكر من الغزو، وانهارت تلك المفاوضات تدريجياً، وكان أحد الأسباب هو Bucha وما تم الكشف عنه من فظائع، ويعتقد الكاتب أيضًا، أن ما رأته أوكرانيا في أبريل، وذلك حيث كانت هناك سلسلة من الانتصارات التي حققتها أوكرانيا في ساحة المعركة، فقد أقنعت زيلينسكي بأنه ربما ينبغي لنا أن نرى إلى أي مدى يمكننا دفع هذا عسكريًا بينما لدينا الزخم، وربما لا نحتاج للتفاوض الآن، وربما نقاتل أولاً، وندفع الروس إلى الخلف، ثم نتفاوض من موقع قوة”.
أسرار مكالمة زيلينسكي مع ترامب في 2019
وتطرق الكتاب إلى المكالمة الهاتفية التي جرت في يوليو 2019 بين زيلينسكي والرئيس ترامب، والتي أصبحت فيما بعد أساس أول إجراءات عزل ترامب، وجاء فيه أنه إذا قرأت عن كثب نص البيت الأبيض الذي تم إصداره لاحقًا لتلك المكالمة الهاتفية، في النهاية يعد ترامب بترتيب زيارة لزيلينسكي إلى البيت الأبيض، فمن الصعب المبالغة في تقدير أهمية هذا النوع من الزيارة لأي زعيم أوكراني، حيث تعد الولايات المتحدة أهم حليف على الإطلاق، ليس فقط بسبب اعتمادها على الأسلحة الأمريكية، ولكن أيضًا من أجل الدعم السياسي والدعم الدبلوماسي وقروض المساعدات المالية، ويحتاج أي رئيس أوكراني مقبل، أي رئيس أوكراني، إلى إظهار قوة علاقته مع الولايات المتحدة باستمرار.
لذا، بالنسبة لمجيء زيلينسكي، كانت تلك هي الأولوية الأولى على الساحة الدولية لزيارة البيت الأبيض، والجلوس هناك مع الرئيس الأمريكي، أيًا كان، وإظهار ذلك للشعب في أوكرانيا، تحت قيادتي، وستستمر هذه العلاقة في النمو بشكل أقوى، وبالتأكيد لن تضعف، لذلك كان هذا هو ما كان يدور في ذهن زيلينسكي في أغلب الأحيان في ذلك الوقت، وعندما قال ترامب في نهاية تلك المكالمة الهاتفية: "حسنًا، بالتأكيد. تعالوا إلى واشنطن وسنقوم بترتيب هذه الزيارة"، رأوا في ذلك إنجازًا كبيرًا، لذلك عندما أغلقوا الهاتف كما أخبرني أحد المشاركين، من الجانب الأوكراني، كان هناك بعض الابتهاج في الغرفة على الجانب الأوكراني، وذهبوا بالفعل إلى غرفة مجاورة وتناولوا بعض الآيس كريم للاحتفال.
صدمة زيلينسكي من قضية عزل ترامب الأولى
وتختتم الصحيفة الأمريكية تقريرها عن الكتاب، بالحديث عن صدمة الرئيس الأوكراني مما حدث في قضية عزل ترامب الأولى داخل الكونجرس، حيث جاء في الكتاب، على لسان الكاتب: تحدثت مع عدد من الأشخاص الذين انتهت رسائلهم إلى الشاشات الكبيرة في قاعات الاستماع أثناء التحقيق في قضية الإقالة في الكونجرس، وتخيل كيف يبدو ذلك، فأنت مسئول حكومي في أوكرانيا، وأنت تجري محادثات سرية وسرية مع نظرائك في الولايات المتحدة، وأنت تفترض أن تلك المحادثات والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني ستظل خاصة، وبعد ذلك تقوم بتشغيل قناة CNN وترى رسائلك معروضة على الشاشة ليراها العالم. كان ذلك مهينًا جدًا.
لقد كان مهينًا جدًا، وفي كثير من الحالات، لم تتشاور السلطات الأمريكية مع الأوكرانيين قبل نشر تلك الاتصالات، لذلك كان ذلك مزعجًا جدًا، ووصف أحد المستشارين المقربين من زيلينسكي ما حدث بأنه حمام بارد، كانت تلك إحدى العبارات الأكثر اعتدالًا المستخدمة لوصف تلك التجربة.
وفي منتصف جلسات الاستماع الخاصة بالإقالة، جلست مع الرئيس زيلينسكي في مكتبه لإجراء إحدى المقابلات التي أجريناها والموصوفة في الكتاب، وربما كانت واحدة من أدنى النقاط التي رأيتها معه، وكان في ذلك الوقت يستعد أيضًا في نفس الوقت لأول مفاوضات له مع فلاديمير بوتين، وكانت أهداف تلك المفاوضات هي إنهاء الصراع الانفصالي في الشرق ومنع ذلك النوع من الغزو الذي رأيناه لاحقًا في جميع أنحاء أوكرانيا.
وتابع: "لذلك كان لديه الكثير ليفعله بينما كان يركز على محاولة التفاوض مع بوتين وتسوية علاقاتهما وإحلال السلام، وجميع وسائل الإعلام الأمريكية، وجميع وسائل الإعلام الدولية التي أرادت التحدث عنها هي رودي جولياني، وهنتر بايدن وكل هذه الأشياء، لذلك كان إلهاءً هائلاً، وأحد الاقتباسات التي برزت من تلك المقابلة هو قوله: "أنا لا أثق بأي شخص على الإطلاق"، وكان الدرس الأساسي بالنسبة له هو: التحالفات واهية، وكل شخص لديه فقط مصالحه الوطنية ومصالحه الشخصية، وشعر بخيبة أمل عميقة في اعتقاده أنه يستطيع الاعتماد على حلفاء معينين، أوروبيين وأمريكيين، وقال إن كل شخص لديه مصالحه فقط، وأنا لا أثق في أي شخص على الإطلاق".