ما حكم إفشاء الأسرار الأسرية؟ حذر العلماء الأزواج من إفشاء أسرار المنزل، مؤكدين أن إفشاء الزوج لأسرار بيته يفسده، مشيرين إلى أن نقل أسرارِ البيت خارج نطاق الأسرة الزوجية، يؤدي إلى العداوة والبغضاء بين الزوجين، ويذهب بما بقي من أواصر المحبة بينهما.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- حذرنا تحذيرًا شديدًا من إفشاء السر بين الزوجين، في الحديث الذي روى عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَىٰ امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»، أخرجه مسلم.
حكم إفشاء الأسرار الزوجية
قال الدكتور أحمد نبوى، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، إن هناك معايير وأخلاقيات يجب اتباعها في الفضاء الإلكتروني، منها المحافظة على الخصوصية في كل شيء.
وتابع الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، في تصريح له: "فى البيوت أسرار لا يجوز نشرها، وكذلك فى العمل ومع الاصدقاء والجيران، وكذلك الصور الشخصية فى حاجات مينفعش حد يشوفها إلا هو وأهل بيته".
واستكمل: "المفروض نحافظ على الخصوصيات ولا يجوز نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يجوز نشر الاسرار الزوجية وأسرار البيوت عليها".
حكم إفشاء الأسرار الزوجية
يغفل الكثير من الأزواج عن حكم إفشاء الأسرار الزوجية بعد الانفصال، حيث يظن البعض بحرمة إفشاء الأسرار الزوجية أثناء الارتباط فقط، إلا أنه وبحسب المؤسسات الدينية الإسلامية فإن الأمر مخالف لما عليه الشرع الحنيف والمروءة وغيرها من القيم الدينية والإنسانية.
حرمة إفشاء الأسرار الزوجية
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه عندما يحدث انفصال بين الزوجين يقوم أحدهما أو كلاهما بالحديث عن عيوب الطرف الآخر، ويبالغ فيها، أو يقوم بالأمر نيابة عنه بعضُ أهله، بل يقوم هو بنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا كله مخالفة؛ لقوله تعالىٰ: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}[النساء: 130]، فيغني اللهُ تعالىٰ الزوج عن مطلقته بخير منها، ويغني اللهُ المطلقة بخير من زوجها السابق.
وأضاف مركز الأزهر، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيس بوك، أنه قد روي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدثت بينه وبين زوجته صفيةَ بنتِ أبي عبيد مشكلة، فجاء أصدقاؤه وأخته حفصة أم المؤمنين يسألونه عن هذه المشكلة التي بينه وبين زوجه، فقال: «سبحان الله! كيف أفضي بسرِّ امرأةٍ هي أقرب الناس إلي؟! هي زوجتي»، فلم يُفضِ إليهم بشيء من سرِّه، ثم إنه طلَّقها، فأتوه يسألونه عن السبب فقال: «سبحان الله! كيف أفضي بسر امرأة أجنبية لا علاقة بيني وبينها؟».
وأشار إلى أنه لا يتوقف حقُّ كلٍّ من الزوج والزوجة في حرمة الأسرار الزوجية بانتهاء الزواج، ولكن على كل منهما علىٰ حدٍّ سواء الحفاظ علىٰ هذه الأسرار والأمور التي كانت مشتركة فيما بينهما حتىٰ بعد الطلاق.
إفشاء أسرار البيوت والعلاقات الزوجية على مواقع التواصل كارثة
وقال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن الشرع الشريف حظر على كلا الزوجين التحدث عن أسرار الحياة الزوجية والكشف عن مستورها أمام الآخرين؛ لأنها ذات طبيعة خاصة مبنية على الامتزاج والميثاق الغليظ ودوام الألفة.
جاء ذلك في الحوار الأسبوعي من حلقة برنامج "مع المفتي" المُذاع على قناة "الناس" الذي يُقدِّمه الإعلامي شريف فؤاد، مضيفًا أن الأسرار والأمور الزوجية من شأنها أن تُطوَى ولا تنشر أو تُحكَى أمام الآخرين حتى وإن كانوا أقارب الزوجة أو الزوج أو حتى الأولاد أو الأصدقاء؛ ففي إشاعتها فساد عظيم، ويُعد المنع إجراءً ناجعًا، ووقايةً مُبَكِّرةً من حدوث الشقاق والطلاق.
وأكد مفتي الجمهورية أن الأسرار والأمور الشخصية بين الزوجين تنشأ مع بداية تكوين حياتهما الأسرية، ثم تزداد مع مرور الأوقات والمواقف التي يبوح فيها كل طرف بمكنوناته ومشاعره للآخر في محبة ومودة نتيجة الثقة والاطمئنان والسكن؛ ولذلك فلا يجب إفشاء هذه الأسرار.
انتهاك للحرمة والكرامة
ولفت النظر إلى أن الشرع الشريف اعتبر وأقرَّ بأنَّ للبيوت حرمة؛ فمنع كُل من الزوجين من إفشاء خصوصيات الحياة الأسرية؛ وذلك لما فيه من إضرار للطرف الآخر، وانتهاك لحرمته وكرامته، وخيانة أمانته؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»"، والأمر ينطبق على المرأة كذلك، ولكن خص الرجل للغلبة، فالحقوق الزوجية متقابلة؛ فالرجل مطالَب بأن يكون أمينًا على بيته وأسراره، وكذلك المرأة مطالبة بأن تكون أمينة على بيتها وما فيه من أسرار.
وأوضح مفتي الجمهورية أن إفشاء أسرار البيوت وأسرار العلاقات الزوجية على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها بأي شكل أو طريقة له آثار سلبية، بل كارثية على استقرار الأسرة، فليس نشر وإفشاء الأسرار من الرجولة والفخر، بل من النقائص ومساوئ الأخلاق.
وأشار إلى أن البيوت لها حرمة عظيمة؛ فهي متوَّجة بالميثاق الغليظ الذي قطعه كل من الزوجين على نفسه تجاه الآخر؛ فمن تمام هذا الميثاق أن تظل أسرار العلاقة الزوجية بكل أشكالها وأحوالها حبيسة الغرفة والنفس ولا تخرج عن ذلك بحال.
واختتم فضيلته حواره بقوله: "حافظوا على حرمة بيوتكم لتستقر وتستقيم البيوت، وحافظوا عليها لأجل أولادكم ولأجل أنفسكم، وتذكروا قول الله عز وجل: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]".