طرح البنك المركزي المصري، الخميس الماضي، نيابة عن وزارة المالية، أذون خزانة لأجل 364 يوما في آخر مزاد بعطاءات أدوات الدين قصيرة الأجل بعائد بلغ 29.913 %.
وتعرّف أذون الخزانة بكونها أداة دين حكومية تصدر بمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى سنة؛ لذا تعتبر من الأوراق المالية قصيرة الأجل.
البنك المركزي المصري
وأظهرت بيانات البنك المركزي، أن البنوك والمؤسسات المالية تقدمت بـ 387 عرضا بمبالغ قدرت بقيمة 73 مليار جنيه.
وطلبت المؤسسات المالية 30.109 % عائد على أذون الخزانة ذات أجل 364 يوما، فيما قبلت وزارة المالية منها 320 عرضًا، بقيمة 56.734 مليار جنيه، وبمتوسط فائدة سجل نحو 29.913 %.
وبعد تخطي أعلى عائد على أذون الخزانة المصرية بالجنيه لأجل سنة 30% لأول مرة في تاريخه، خلال العطاء الأخير الذي طرحه البنك المركزي الخميس، تساءل البعض حول إمكانية قيام البنوك بطرح شهادات ادخارية جديدة بفائدة تجاوز 30 %.
وفي هذا الصدد تقول الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، إن الحديث هنا عن العائد بشكل عام، لكن عند الحساب فهناك 20 % خاصة بالضرائب، وهي ليست من الإذن بل من عوائد الأذون، ما قد يصل به إلى 25 أو 26 في المائة، مضيفة: فيما يتعلق بطرح البنوك شهادات ادخار بفائد تجاوز 30 % فلا بد من توضيح بعض الجوانب التالية:
- استمرار تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في السوق الموازية واقترابه من السعر الرسمي 31 جنيها، يؤكد أن الحكومة لن تلجأ للتعويم وليست في حاجة إليه، "لكن سعر الدولار ربما يصبح مرنا وفق العرض والطلب".
- وفرة العملة "بعد حصول الحكومة على جزء من عوائد صفقة رأس الحكمة بلغ 10 مليارات دولار، وقد ساهم ذلك في حدوث هبوط كبير للدولار داخل السوق الموازية - بحسب تقديرات كثيرة يتراوح سعره ما بين 40 و 41 جنيها".
- مع وصول دفعة جديدة خلال أسبوعين 14 مليار دولار أخرى، إضافة إلى تغطية 1.3 مليار دولار "البضائع الموجودة بالموانئ"، وتوفير العملة في الاعتمادات المستندية، وغيرها، قد يساهم كل هذا في عدم خفض الجنيه مرة أخرى "مفيش تعويم" وهذا احتمال كبير.
واختتمت "الدماطي" قائلة: "حال تحقق كل ما سبق لن تضطر البنوك لطرح شهادات ادخارية جديدة بعوائد 30 %؛ لأن هناك شهادات بعوائد 27%".
وكانت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي، قررت في اجتماعها مطلع فبراير الماضي، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 21.25 %، 22.25 % و21.75 %، على الترتيب، وتم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 21.75 %.
من جهته قال الخبير الاقتصادي، الدكتور كريم عادل، إن أذون الخزانة من أدوات الدين قصيرة الأجل، وتوكل وزارة المالية البنك المركزي المصري لإدارة وطرح أذون الخزانة المصرية لتغطية الموازنة العامة للدولة، وأذون الخزانة تكون بنظام المزاد ومرتين في الأسبوع الخميس والأحد.
ويعد طرح أذون الخزانة بهذه القيمة وهذا العائد خلال عام مؤشر غير جيد للسياسات المالية، خاصةً وأنه طرح يؤكد اعتزام الحكومة تحرير سعر الصرف خلال الأيام القادمة، وما سيترتب على تحريك سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي، من ارتفاع معدل التضخم واحتمالية رفع معدل الفائدة على الإيداع والإقراض بالبنوك المصرية بعد هذا الإجراء، تطبيقات لسياسة التشديد النقدي ومحاولة السيطرة على السوق وسحب السيولة منه للتحكم في معدل التضخم في محاولة منها للسيطرة عليه.
وتابع الخبير الاقتصادي: ما يؤكد صحة هذا الرأي، هو أن جميع العطاءات المقدمة لشراء أذون الخزانة المصرية المطروحة كانت تتراوح بين 30 إلى 35 % بعد عام، وبالتالي قام المتقدمون للشراء بعمل تحوط من تحرير سعر الصرف ومن انخفاض قيمة العملة، وكذلك تحوط من رفع قيمة الفائدة بالبنوك المصرية بعد التحرير كأحد أدوات سياسة التشديد النقدي اللازمة لكبح جماح التضخم.
وأكد عادل، أن تحرير سعر الصرف أصبح مطلبا أساسيا لصندوق النقد الدولي لصرف دفعات القرض المتأخرة، وكذلك زيادة قيمة القرض للدولة المصرية إلى عشرة مليار دولار، وهذا ما أكدته وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في تقريرها الأخير الصادر منذ أيام من أن "تحرير سعر الصرف يحفز صندوق النقد ليوافق على برنامج دعم مُعزز لمصر".
وأردف: هذا يؤكد أن تحرير سعر الصرف قادم لا محالة حتى ولو انخفض سعر العملة الأجنبية في السوق الموازية إلى مستويات أدنى من 30 جنيها، وهو السعر الرسمي بالبنوك المصرية الآن، خاصةً وأن هذا الانخفاض يرجع للعديد من العوامل على رأسها:
- دخول حصيلة دولارية ومن ثم انتظار المستوردين تدبير البنوك لمتطلباتهم الدولارية.
- ليس هناك حالة طلب الآن على الدولار في السوق الموازية فكل المستوردين استوردوا بضائعهم بالفعل الخاصة بشهر رمضان والعيد.
- الصين "مغلقة" خلال شهر فيراير بسبب الأعياد وهو ما يجعل الاستيراد متوقفا منها ومن ثم قل الطلب على الدولار.
- الجميع يترقب قرار التعويم وقيمته وهو الأمر الذي يصيب دائماً السوق الموازية بالشلل قبل هذا القرار كما حدث في المرات السابقة.
مصير التعويم والشهادات
وشدد عادل: السياسات المالية والنقدية بحاجة إلى مراجعة وإعادة هيكلة على مستوى السياسات والأشخاص من قبل الحكومة، فالاستدانة تحولت إلى استدامة، ولا بد من ترشيد الإنفاق العام، وإعادة النظر في بنود الإنفاق بالموازنة، والبحث عن موارد جديدة لسد عجز الموازنة، وتحقيق الاستقرار المالي بعيداً عن أدوات الدين قصيرة أو طويلة الأجل التي تمثل عبئا جديدا على الموازنة والاقتصاد المصري.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن لجوء الدولة إلى الاستدانة لا إشكالية فيه، ولكن ينبغي أن تتم إدارة هذا الدين على أسس اقتصادية ومالية سليمة تعظم الاستفادة منه؛ ليسهم في تحقيق النمو الشامل والاستدامة، إضافة إلى أنه ينبغي أن تصاحب هذه الخطوة خطوات إصلاحية منها تقليل المصروفات وزيادة الإيرادات.
كان بنك مصر، أعاد إصدار الوعاء الادخاري الجديد شهادة "طلعت حرب"، وهي شهادة ادخار مدتها سنة تتمتع بمعدل عائد ثابت طوال مدة الاحتفاظ بالشهادة وتبلغ نسبة العائد على الشهادة 27% سنويًا تصرف بنهاية مدة الشهادة، ويُصرَف العائد شهريًا بعائد %23.5 سنويًا، وتبدأ فئات الشهادة من 1000 جنيه ومضاعفاتها وتصدر للأفراد الطبيعيين أو القُصر من المصريين أو الأجانب، ويتم احتساب المدة اعتبارًا من يوم العمل التالي للشراء.
كما طرح البنك الأهلي المصري شهادة بلاتينية جديدة بسعر عائد سنوي يصل إلى 27% ويصرف في نهاية المدة، أو بعائد يبلغ 23.5 % يصرف شهريًا، وتصدر الشهادة الادخارية الجديدة بفئات 1000 جنيه ومضاعفاتها، ويستهدف البنك من تلك الشهادة الجديدة الأشخاص الطبيعيين بالغين وقُصر، مصريين وأجانب.
وبعد جمع البنك "الأهلي" وبنك "مصر" نحو 700 مليار جنيه، عبر شهادات الإدخار ذات العائد الكبير البالغ 27%، تثار تساؤلات حول جدوى استمرارية الشهادات خلال الفترة المقبلة، وسط تدفق مليارات الدولارات لخزينة الدولة من صفقة رأس الحكمة.
في حين يُتوقع أن تسهم أموال الصفقة بفك اختناقات السلع في الموانئ المصرية، بما يؤدي إلى انخفاض الأسعار، والمساهمة في كبح التضخم، ما يخفف بدوره الحاجة إلى مثل هذه الشهادات التي تستهدف بالأساس امتصاص السيولة وضبط الأسواق، فإن حصول مصر على سيولة مليارية من الدولار، قد يسرع عملية تحرير سعر الصرف المرتقبة، وخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، الأمر الذي سيفاقم وتيرة التضخم حتى استقرار السوق، بما يدعو إلى الحاجة للاستمرار بإصدار شهادات ذات عائد مرتفع، يُقدّر البعض وصوله إلى 35%.
ويواصل أكبر بنكين في مصر من حيث الأصول، بيع الشهادات لامتصاص السيولة الوفيرة بالأسواق، وذلك ضمن مساعي لكبح جماح التضخم الذي ارتفع لمعدلات قياسية.
كان محمد الإتربي، رئيس بنك مصر ورئيس اتحاد البنوك، قال في تصريحات سابقة، إن مصرفه والبنك الأهلي، ليس لديهما حصيلة مستهدفة من الشهادات، ولا توقيت محدد لوقف تلك الشهادات بعد حتى الآن.
ويأتي استمرار الشهادات وسط تدفق مليارات الدولارات على مصر بعد توقيعها في فبراير مع الإمارات، صفقة استثمار عقاري، تستحوذ بموجبها شركة "القابضة" (ADQ) على حقوق تطوير مشروع "رأس الحكمة" مقابل 24 مليار دولار بهدف تنمية المنطقة، بجانب تحويل 11 مليار دولار من الودائع التي سيتم استخدامها للاستثمار في مشاريع رئيسية بكافة أنحاء البلاد.