خطوات عدة تقوم بها مصر في سبيل تجاوز أزمتها الاقتصادية والقضاء على واحدة من أسوأ حالات نقص النقد الأجنبي "الدولار" بالبلاد، وتراجع التدفقات الخارجية خلال الفترة الماضية، بإبرام عدد من الشركات والاتفاقات مع الشركاء والمؤسسات المالية الدولية، إضافة إلى إصلاح التشوهات التى عانى منها سعر الصرف وأثرت بالسلب على قيمة العملة المحلية مقابل الدولار.
وانتقلت مصر في أقل من شهر من تداعيات اقتصادية مقلقة بسبب نقص السيولة الدولارية إلى حصولها على أكثر من 40 مليار دولار من استثمارات وقروض من الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وسط احتمالات ورود المزيد من المملكة العربية السعودية.
حزمة مساعدات جديدة لمصر
من جانبه تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو (8.1 مليار دولار) إلى مصر، في أحدث دفعة من المجتمع الدولي لدعم الاقتصاد الوطني، فيما سيتم توزيع مزيج المنح والقروض، الذي أعلنته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأحد، حتى عام 2027، وسيساعد ذلك مصر في التغلب على أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
وقالت فون دير لاين خلال لقاء جمعها بالرئيس عبد الفتاح السيسي: نتقاسم مصالح استراتيجية في الاستقرار والازدهار"، مضيفة: "نظراً لثقلكم السياسي والاقتصادي، فضلاً عن موقعكم الاستراتيجي في منطقة مضطربة للغاية، فإن أهمية علاقاتنا ستزداد بمرور الوقت".
وكان هذا التركيز في تعزيز العلاقات واضحاً في القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بترقية علاقته مع مصر، التي تفاقمت أزماتها بسبب الصراعات في غزة والسودان المجاورتين، إلى علاقة "شراكة استراتيجية" - حسب تقرير لـ "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ".
من جهته، قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في مؤتمر صحفي، بعد الإعلان رسمياً عن المساعدات، إن "استقرار وازدهار مصر لهما أهمية بالغة بالنسبة للاتحاد الأوروبي".
وشدد زعماء آخرون، بما في ذلك من النمسا وإيطاليا، على قضية الهجرة، قائلين إن التعاون المستدام ضروري للحد من هذه الممارسة التي أصبحت قضية رئيسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وفي تفاصيل البرنامج، أشار الاتحاد الأوروبي إلى أولويات مثل الاستقرار الاقتصادي والاستثمارات والتجارة والهجرة والأمن، ووضع ستة ركائز تشمل الديمقراطية.
وفي مواجهة النقص الحاد في النقد الأجنبي، كانت مصر على شفا أزمة اقتصادية حتى أعلنت الإمارات عن استثمار بقيمة 35 مليار دولار في أواخر فبراير الماضي.
ومهد ذلك الطريق لتخفيض قيمة العملة المحلية "الجنيه المصري مقابل الدولار"، الذي طال انتظاره في وقت سابق من هذا الشهر، وتوسيع قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.
تتضمن حزمة الاتحاد الأوروبي 5 مليارات يورو من القروض الميسرة، و1.8 مليار يورو من الاستثمارات في مشاريع تتعلق بالطاقة المتجددة والأمن الغذائي. وهناك 600 مليون يورو في شكل منح، ثلثها مخصص لـ"إدارة الهجرة".
أصبحت مصر مورداً متزايد الأهمية للغاز الطبيعي لأوروبا، في ظل سعي القارة العجوز للحصول على بدائل في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وهي أيضاً دولة عبور أساسية للمهاجرين الذين يسعون للعبور إلى أوروبا.
إبرام اتفاقيات تمويل جديدة
وقال وزير المالية، محمد معيط، إنه من المتوقع أيضاً إبرام اتفاقيات تمويل جديدة مع البنك الدولي والمملكة المتحدة واليابان.
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي، الدكتور كريم عادل، أن الصفقات الاستثمارية والتدفقات النقدية الدولارية، والقرارات الاقتصادية الأخيرة، جميعها أحدثت حالة من التفاؤل والآمال وحالة من الارتباك في سعر الدولار بالسوق الموازية، وكذلك الذهب الذي لا يعتمد في تسعيره على سعر الذهب العالمي فحسب بل يكون مقوم في تسعيره بسعر الدولار في السوق الموازية.
ولفت عادل - خلال تصريحات لـ "صدى البلد" إلى أنه بين آمال المواطن وآمال الاقتصاديين، في مساهمة حصيلة صفقة "رأس الحكمة" والتدفقات الدولارية من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليار دولار على دفعات لمدة 4 سنوات، ودعم وتمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 8.1 مليار دولار على مدار 4 سنوات في التأثير على الأسواق وخفض الأسعار، فإن التأثير والأثر المباشر لكل هذه المتحصلات الدولارية لم يظهر بعد على الأسواق، فلا زالت الأسعار على ما كنت عليه تقريباً، وهو ما عكسه معدل التضخم في نهاية فبراير الذي اقترب من 36%.
وأضاف الخبير الاقتصادي: التأثيرات ستظل غير ملموسة، وتأثيرها الحقيقي يتوقف على كيفية تعامل الدولة مع متطلبات واحتياجات وتدبير النقد الأجنبي للمستوردين والأفراد خلال المرحلة الحالية، فإذا تم تدبير المتطلبات الدولارية للشركات والأفراد بصورة كلية مستدامة ستتراجع السوق الموازية بصورة كبيرة، ولكن إذا "لم يتم سرعة التدبير واستدامته بالبنوك المصرية ستعود السوق الموازية إلى ما كانت عليه وقد يزيد".
وتابع: لا بد أن يتزامن مع توافر هذه الحصيلة قيام الدولة بسرعة الإفراج عن كافة المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المتكدسة بالمواني المصرية، والاتجاه السريع نحو دعم قطاعات إنتاجية وصناعية وزراعية للتحقيق الأمن الغذائي والصناعي، وإدخالها في صناعات ذات عوائد تصديرية وهو ما يحقق استفادة حقيقية من تلك الحصيلة الدولارية وعائدات دولارية.
وشدد: لا خلاف أن الدولة لديها العديد من الالتزامات المالية واجبة السداد تجاه المؤسسات المالية الدولية، وهذه الالتزامات لها الأولوية في السداد باعتبارها ديون سيادية مستحقة، لكن يجب أن تكون هناك خطة واضحة ومعلنه لآلية إدارة هذه التدفقات النقدية وتوجيه هذه الحصيلة الدولارية بما ينعكس بالعائد على الاقتصاد الكلي بوجه عام واقتصاد المواطن المصري بوجه خاص.
وأكد أن زيارة وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي للدولة المصرية جاءت تأكيدا على ثقل الدولة في المنطقة، ومؤشر جيد على نجاحها في تحقيق الأمن وحجب العديد من الأضرار التي كانت ستلحق بدول الاتحاد الأوروبي من هجرة غير شرعية وما يصحبها من اضطرابات اقتصادية وسياسية وأمنية بدول الاتحاد.
مكافحة الهجرة غير الشرعية
وتابع: يعتبر الدعم المقدم من الاتحاد الأوروبي بمثابة دعم عن ما تكبده اقتصاد الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة من جراء محاولات التهدئة والسيطرة على ما يجري في المنطقة من صراعات، ومن ناحية أخرى فإن تزايد عدد اللائجين وتواجدهم في الدولة المصرية يُكبد الاقتصاد المصري العديد من الخسائر الاقتصادية.
وأشار عادل إلى أن الدولة المصرية تستضيف قرابة 12 مليون لاجئ من 58 جنسية يستوطنون مصر حاليا، بحسب المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين، الأمر الذي يمثل عبئا كبيراً على الاقتصاد المحلي، خاصةً على البنية التحتية والطاقة وأسعار السلع والمنتجات والعقارات وكذلك ضغط على العملة الأجنبية، فجميعها ضغوط أنهكت الاقتصاد الوطني وجعلته يحيد عن مسار الإصلاح الاقتصادي الصحيح ومستهدفات التنمية للاقتصاد والمواطن المصري.
ولفت إلى أن الدعم الكبير من الاتحاد الأوروبي يمثل عبئا جديدا على الدولة المصرية، فيجب عليها الالتزام بالمزيد من توفير الحماية للحدود والعمل على منع الهجرة غير الشرعية لدول الاتحاد الأوروبي من الدول الملتهبة بالصراعات والتي تحيط بالدولة المصرية شمالاً وغرباً وجنوباً، وكذلك استضافة عدد جديد من اللائجين ممن هم متضررون من الأحداث والصراعات في دولهم، فهو دعم مقدم ومشروط بالعديد من الأمور ، وستكون هناك مراجعات دورية من الاتحاد الأوروبي على أوجه إنفاق هذا التمويل وفقاً لمستهدفات الاتحاد من تقديمه للدولة المصرية.
واختتم الخبير الاقتصادي، قائلا: الإصلاح ضرورة ودعم القطاعات الاقتصادية المختلفة على رأس أولويات تلك المرحلة، ويعد هو الاستغلال الأمثل للتدفقات الدولارية الأخيرة، فإن كنا تأخرنا في تلك الخطوة كثيراً إلا أن الفرصة لا زالت أمامنا للخروج من الأزمة واستدامة الاستقرار للاقتصاد والمواطن، خاصةً وأن دفعات صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي مشروطة بأوجه إنفاق وتنفيذ إصلاحات ، ومن ثم عدم تنفيذها قد يؤجل صرف أياً منها.
وهناك 56 مليار دولار يتوقع أن تطرق أبواب القاهرة للدخول في شريان الاقتصاد الوطني بعد أزمات متتالية أنهكته (بدءا من جائحة كورونا إلى الحرب الأوكرانية وأخيرا الحرب في غزة).
وتشمل هذه التدفقات - بحسب "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ":
- 35 مليار دولار من مشروع رأس الحكمة.
- 9.2 مليار دولار تمويل من صندوق النقد وصندوق البيئة.
- تمويل بقرابة 12 مليار دولار من من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
من جهته، توقع معهد التمويل الدولي، مطلع مارس الجاري، أن يبلغ إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي ما يزيد عن 50 مليار دولار، أي ما يكفي ثمانية أشهر من الواردات، بنهاية السنة المالية الحالية، بدعم من صفقة رأس الحكمة الاستثمارية وإبرام الحكومة اتفاق موسع مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف المعهد في تقرير صدر عنه، أن إبرام مصر لاتفاق بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد، بدلا من ثلاثة مليارات دولار في السابق، والخفض القوي لسعر صرف الجنيه، الذي تجاوز 50 جنيها في البنوك التجارية أمس الأربعاء، فاقا التوقعات.
هدية صندوق النقد الدولي
طلبت مصر من صندوق النقد الدولي أن تكون قيمة أول شريحة تحصل عليها في أبريل المقبل 5 مليارات دولار نظراً لحاجتها لتوفير أكبر قدر ممكن من السيولة الدولارية لدعم اقتصادها، بحسب مسؤول حكومي تحدث مع "الشرق مع بلومبرغ" شريطة عدم نشر اسمه.
اتفقت مصر مع الصندوق، مطلع الشهر الجاري، على زيادة قيمة برنامج التمويل الممنوح للبلاد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار، بعد الجهود التي اتخذتها وشملت خفض قيمة العملة بشكل كبير ورفع أسعار الفائدة بنحو 600 نقطة أساس.
وأضاف المسؤول الحكومي، أن أول شريحة من القرض بعد زيادته ستصرف في أبريل المقبل بعد نظر مجلس إدارة الصندوق في زيادة قيمة التمويل نهاية مارس الجاري، موضحاً أن الحكومة طلبت زيادة قيمة الشريحة الأولى، من القرض لتكون نحو 5 مليارات دولار، وذلك لحاجة الدولة إلى توفير أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة لدعم الاقتصاد.