وضع البنك المركزي المصري حدا للتداعيات الاقتصادية القاسية التي تعيشها البلاد بسبب نقص السيولة الدولارية، والتراجع الكبير في المنافسة بين العملة المحلية "الجنيه المصري" والعملة الأجنبية "الدولار" خاصة في السوق الموازية "وصل سعر الأخير إلى 71 جنيها ببعض المناطق وبحسب الطلب؛ ما ترتب عليه أضرار هائلة على الأوضاع الاقتصادية"، وذلك بتحرير سعر الصرف.
تعويم الجنيه المصري
واتخذت لجنة السياسات النقدية داخل البنك المركزي، خلال "اجتماع طارئ لها"، عدة قرارات؛ شملت رفع قيمة الفائدة على القروض والمدخرات بنسبة 6 %، ورفع القيود عن استخدام البطاقات الائتمانية بالعملة الأجنبية، بالإضافة إلى تحريك سعر صرف الجنيه.
وأصدرت لجنة السياسة النقدية بيانا، أكدت فيه "رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس، ليصل إلى 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.75%".
وانتقلت مصر في 10 أيام فقط من تداعيات اقتصادية مقلقة بسبب نقص السيولة الدولارية إلى حصولها على أكثر من 40 مليار دولار من استثمارات وقروض من الإمارات العربية المتحدة وصندوق النقد الدولي، وسط احتمالات ورود المزيد من المملكة العربية السعودية وغيرها.
ويقول الخبير الاقتصادي، أحمد شوقي، إن وجود سعر مرن للصرف يهدف إلى وقف المضاربات الموجودة بالسوق الموازية وتوجيه كافة المتعاملين من تجار ومستثمرين وغيرهم للعمل مع السوق الرسمية والبعد عن الموازية لما لها من أضرار على الاقتصاد الوطني بشكل عام.
وأكد شوقي - في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن البنك المركزي بهذه القرارات يسعى أيضا للسيطرة والنزول بمعدلات التضخم بعد موجات ارتفاع غير مسبوقة على أساس سنوي، سجل 38 % خلال الفترة الماضية.
ولفت الخبير الاقتصادي، إلى أن تحويلات المصريين بالخارج تراجعت بنسبة 24 % خلال العام 2022 - 2023، وذلك بعد "اتجاه بعضها للسوق الموازية التي تخطى سعر الدولار فيها حاجز 65 جنيها ما أثر بالسلب على التدفقات الدولارية القادمة من الخارج" وبهذه القرارات يمكن للبنك المركزي استعادة هذه النسبة.
كما شدد على أن وجود سعر صرف حر يشجع فرص الاستثمار المباشرة وغير المباشرة، وهذا يساعد على توفير فرص عمل جديدة بعد تأثر سوق العمل في مصر خلال الفترة الماضية وارتفاع معدلات البطالة.
وحول اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي، أكد أن من شأنه أن يعيد ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد الوطني، وبالتالي يساهم في تغير نظرة تلك المؤسسات ورفع التصنيف الائتماني لمصر بعد موجة انخفاض.
وأكد أن الدولار سوف يصل لأعلى سعر مقابل الجنيه المصري قبل أن يعاود التراجع مع انخفاض الطلب عليه ونجاح البنك المركزي المصري في أهدافه.
وتباطأ معدل التضخم في مصر إلى 29.8 % على أساس سنوي في يناير من 33.7 % في ديسمبر، وسجل أعلى مستوى تاريخي عند 38 % في سبتمبر، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
وواجهت مصر مؤخرا أزمة حادة في توافر العملات الأجنبية، خاصة الدولار، فيما جاء النقص الحاد مدفوعا بتراجع عائدات السياحة، وتراجع تحويلات المصريين بالخارج بنحو الثلث خلال العام المالي 2022 /2023 مقارنة بالعام السابق.
كما تراجعت عوائد قناة السويس بعض الشيء هذا العام، بسبب أزمة الملاحة في البحر الأحمر التي نتجت عن هجمات الحوثيين على بعض السفن دعما للأشقاء في غزة ورفضا للعدوان الإسرائيلي الأمريكي عليهم.
في الوقت نفسه، كانت تستعد مصر لسداد أكبر قدر من فوائد وأقساط الديون في تاريخها هذا العام، والذي قدره البنك المركزي بـ 42.3 مليار دولار، فيما سجل معدل الديون الخارجية نحو 165 مليار دولار بداية العام الحالي.
وهناك نحو 56 مليار دولار يتوقع أن تطرق أبواب القاهرة للدخول في شريان الاقتصاد الوطني بعد أزمات متتالية أنهكته (بدءا من جائحة كورونا إلى الحرب الأوكرانية وأخيرا الحرب في غزة).
وتشمل هذه التدفقات - بحسب "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ":
- 35 مليار دولار من مشروع رأس الحكمة.
- 9.2 مليار دولار تمويل من صندوق النقد وصندوق البيئة.
- تمويل بقرابة 12 مليار دولار من من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
من جهته، توقع معهد التمويل الدولي، الخميس، أن يبلغ إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي ما يزيد عن 50 مليار دولار، أي ما يكفي ثمانية أشهر من الواردات، بنهاية السنة المالية الحالية، بدعم من صفقة رأس الحكمة الاستثمارية وإبرام الحكومة اتفاق موسع مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف المعهد في تقرير صدر حديثا، أن إبرام مصر لاتفاق بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد، بدلا من ثلاثة مليارات دولار في السابق، والخفض القوي لسعر صرف الجنيه، الذي تجاوز 50 جنيها في البنوك التجارية أمس الأربعاء، فاقا التوقعات.
وكان البنك المركزي قد كشف، الثلاثاء، عن ارتفاع صافي احتياطيات النقد الأجنبي إلى 35.31 مليار دولار بنهاية فبراير، من 35.25 مليار دولار بنهاية يناير.
وبحسب معهد التمويل الدولي - فإن "نطاق وسرعة إبرام مصر لصفقة رأس الحكمة الاستثمارية مع الإمارات، والتي ستدر تمويلا فوريا بقيمة 35 مليار دولار، تجاوز التوقعات وأن رد فعل السوق عليها كان إيجابيا".
كما من المقرر أن تتلقى القاهرة بفضل الصفقة 24 مليار دولار في صورة سيولة مباشرة وأن يجري شطب 11 مليار دولار من ودائع الإمارات في البنك المركزي نتيجة تحويلها إلى الجنيه وضخها في مشروعات لدعم التنمية والتطوير الاقتصادي.
وقال التقرير، إن شطب الودائع الإماراتية من شأنه خفض صافي الالتزامات الأجنبية على البنك المركزي بواقع ثلاثة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، تقريبا مما سيؤدي لأن يسجل المركزي صافي أصول أجنبية إيجابيا في السنة المالية 2023 - 2024.
وأضاف التقرير "الأكثر أهمية، أن شطب ودائع الإمارات سيقلص إجمالي الدين الخارجي. بالقيمة الدولارية، نتوقع أن ينخفض إجمالي الدين الخارجي من ذروة عند 165 مليار دولار في السنة المالية 2022 - 2023 إلى 157 مليارا في السنة المالية 2023 - 2024".
وقال المعهد إن برنامج صندوق النقد الدولي سيضع أجندة إصلاحية والتي بجانب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من مشروع رأس الحكمة يمكن أن يضع مصر على مسار مستدام، مشيرا إلى أن تحرير سعر صرف الجنيه سيمثل حافزا للخصخصة والمزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
كما توقع التمويل الدولي صعود قيمة العملة المحلية إلى نحو 42.5 جنيه للدولار خلال العام المالي 2024 - 2025، بالمقارنة مع السعر الحالي عند قرابة 50 جنيها لكل دولار.
كما رجح معهد التمويل أن يصل متوسط سعر صرف الجنيه إلى نحو 33.5 أمام الدولار في العام المالي الحالي، "يبدأ العام المالي في أول يوليو حتى نهاية يونيو من العام التالي".
وأكد معهد التمويل إن الدين الخارجي المصري، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، سيظل قابلا للإدارة عند 45 % في السنة المالية 2023 - 2024 ارتفاعا من 42 % في 2022 - 2023.
وأوضح أن المكاسب المفاجئة الكبيرة من النقد الأجنبي التي ستتحصل عليها القاهرة ستساهم في تخفيف الضغوط التمويلية التي تواجهها البلاد.
ولفت المعهد إلى أنه كان قد توقع أن يبلغ إجمالي الاحتياجات التمويلية نحو 15 مليار دولار وذلك بشكل تراكمي في الفترة من السنة المالية 2023 - 2024 إلى السنة المالية 2025 - 2026.
وقال المعهد إن السيولة المباشرة بالنقد الأجنبي البالغة 24 مليار دولار التي ستحولها الإمارات ستساهم في تغطية أي احتياجات تمويلية متبقية في المستقبل المنظور على الرغم من أن جزء من تلك الأموال سيستخدم لأغراض أخرى منها تصفية طلبات الاستيراد المتراكمة من أجل إدارة الضغط في سوق الصرف الموازية.
ووفقا لبيانات المعهد، من المتوقع نمو الاقتصاد الوطني 2.6 بالمئة في السنة المالية الجارية، ومن ثم سينتعش النمو إلى 4.5 بالمئة في 2024 - 2025.